زواج القاصرات في السعودية أو ما يعرف بزواج الأطفال من القضايا المعقدة التي تتشابك فيها الأبعاد الشرعية والاجتماعية والقانونية ويحظى باهتمام بالغ على الصعيدين المحلي والدولي ، ففي المملكة العربية السعودية لطالما كان موضوع زواج القاصرات في السعودية محور نقاشات مستفيضة خاصة في ظل التطورات التشريعية المتسارعة التي تشهدها البلاد والتي تستهدف حماية حقوق الطفل والمرأة وضمان مصالحهما الفضلى خلال قانون زواج القاصرات في السعودية.
قانون زواج القاصرات في السعودية:
لم يكن هناك سن محدد لزواج القاصرات في السعودية بشكل صريح وكانت المسألة تخضع لاجتهادات القضاة لكن مع التطورات التشريعية الأخيرة، أصبح هناك تنظيم واضح لهذه المسألة.
فالتشريعات الحديثة في المملكة جعلت من زواج القاصرات في السعودية حالة استثنائية للغاية تتطلب موافقة قضائية مشددة ، ولعل الهدف الأساسي من قانون زواج القاصرات في السعودية هو حماية القاصر من أي استغلال أو ضرر وضمان أن أي قرار يتعلق بحياته الزوجية يتم بناءً على مصلحته الفضلى ووفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحة التي تدعو لحفظ الحقوق ورعاية المصالح.
ولقد شهدت المملكة العربية السعودية تطورات كبيرة في تنظيم الأحوال الشخصية وتهدف هذه التنظيمات إلى حماية حقوق القصر وضمان مصلحتهم الفضلى ، و فيما يتعلق بقانون زواج القاصرات في السعودية فقد تم وضع ضوابط وشروط صارمة بموجب نظام الأحوال الشخصية ولائحته التنفيذية والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2022 . النقطة المحورية هي أن الأصل في زواج القاصرات هو المنع ولا يجوز إجراؤه إلا بضوابط استثنائية وبقرار من المحكمة المختصة.
شروط زواج القاصرات في السعودية:
- تحديد سن الزواج بـ 18 عامًا: أكدت وزارة العدل السعودية في عام 2019 على منع إبرام عقود الزواج لمن يقل عمرهم عن 18 عامًا ، وقد جاء هذا التعميم بناءً على توصيات مجلس الشورى السعودي.
- المنع التام لمن هم دون 15 عامًا: أكد مجلس الشورى على المنع التام لزواج من هم دون سن 15 عامًا.
- ضوابط استثنائية لمن هم بين 15 و 18 عامًا: لا يجوز توثيق عقد الزواج في تلك الحالة إلا بإذن من المحكمة المختصة ، ويتطلب ذلك تحقيق شروط وضوابط صارمة لضمان مصلحة القاصر وعدم تعرضه للضرر، وتشمل هذه الشروط:
- تقديم طلب الإذن بالزواج من الشاب أو الفتاة أو وليهما الشرعي أو والدة أي منهما.
- موافقة الراغب في الزواج بإقراره الصريح أمام المحكمة وسماع ما لدى الأم.
- بلوغ الراغب في الزواج اكتماله الجسمي والعقلي ووجود تقرير طبي وتقريرين نفسي واجتماعي يؤكدان عدم وجود خطر على القاصر ومدى التكافؤ النفسي والاجتماعي.
- التأكد من أن الزواج لن يلحق ضررًا بالقاصر ويحقق مصالحه الفضلى.
نسبة زواج القاصرات في السعودية:
التشريعات الحالية تضع قيودًا صارمة على قانون زواج القاصرات في السعودية وتعتبر السن القانوني للزواج هو 18 عامًا وأي حالات زواج لمن هم دون هذا السن تتطلب إذنًا قضائيًا وشروطًا صارمة تضمن مصلحة القاصر ، وهذا التوجه القانوني يهدف إلى تقليل نسبة زواج القاصرات في السعودية بشكل كبير وإن كانت الأرقام الدقيقة والمحدثة للسنوات الأخيرة (2023-2025) قد لا تكون متوفرة علنًا بشكل تفصيلي يخص هذا العمر تحديدًا.
نظرًا للتغييرات التشريعية الحديثة والصرامة في تطبيق القوانين، من المتوقع أن تكون نسبة زواج القاصرات في السعودية قد انخفضت بشكل كبير وذلك بسبب:
- صعوبة الحصول على أرقام دقيقة حديثة: الإحصائيات الدقيقة والمحدثة بشكل سنوي لنسبة زواج القاصرات تحديدًا (أي لمن هم دون 18 عامًا) قد لا تكون متاحة للجمهور بشكل فوري ومفصل ، غالبًا ما يتم تضمين هذه الإحصائيات ضمن تقارير أوسع تتعلق بالأحوال الشخصية أو حقوق الطفل.
- تراجع النسبة تاريخيًا: كانت هناك تقارير سابقة، مثل ورقة بحثية للقانونية اللبنانية ندى خليفة في عام 2015، تشير إلى انخفاض نسبة التزويج المبكر في السعودية إلى 13% آنذاك بعد استحداث بعض التنظيمات ، ومع التشديد الأكبر في السنوات الأخيرة وتحديد سن الزواج بـ 18 عامًا كحد أدنى من المرجح أن تكون هذه النسبة قد تضاءلت أكثر.
- عدم توفر إحصائيات لعام 2023-2025 تحديدًا لزواج القاصرات: التقارير الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء لعام 2023 تتحدث عن نسب الزواج بشكل عام، وعدد السعوديات اللاتي لم يسبق لهن الزواج والمتزوجات والمطلقات والأرامل ولكنها لا تفصل بشكل مباشر نسبة زواج القاصرات (دون 18 عامًا).
عقوبة زواج القاصرات في السعودية:
المنهج الحالي في المملكة يرتكز على الوقاية والمنع أكثر من العقوبة الجنائية الصريحة لمن يعقد زواج القاصرات ، والهدف هو وضع حواجز قانونية صارمة تمنع إتمام هذا النوع من الزواج الذي قد يضر بمصلحة القاصر.
فالرؤية القانونية تتجه نحو حظر زواج من هم دون 18 عامًا بشكل مطلق والجهود مستمرة لترسيخ هذا المبدأ حماية للنشء والمجتمع ، كما يحظر على المأذونين الشرعيين وعاقدي الأنكحة إبرام أي عقد زواج لمن لم يتم الثامنة عشرة من عمره دون الحصول على إذن المحكمة ، فقد يواجه المخالفون عقوبات تصل إلى الإحالة للتحقيق وقد تشمل سحب الترخيص أو الفصل من الخدمة.
الآثار القانونية المترتبة:
- رفض طلب الزواج: في الغالب يتم رفض أي طلب زواج لطرف لم يبلغ 18 عامًا ميلاديًا، إلا إذا ثبت للمحكمة بعد دراسة مستفيضة لمصلحة القاصر عدم وجود ضرر.
- مساءلة المأذون: إذا قام مأذون الأنكحة بعقد قران لقاصر دون الالتزام بالضوابط والتعليمات القضائية فإنه سيتعرض للمساءلة التأديبية والتي قد تصل إلى سحب رخصة المأذونية أو إيقافها كونه خالف الأنظمة والتعليمات الصريحة.
- تدخل الجهات الحمائية: في حال وجود حالة زواج لقاصر قد تم بشكل غير نظامي أو ترتب عليه ضرر ، فيمكن لجهات حماية الطفولة والأسرة (مثل وحدة الحماية الاجتماعية التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية) التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة القاصر وقد يصل الأمر إلى المطالبة بإلغاء عقد الزواج إذا تبين أنه يضر بمصلحة القاصر.
- عدم الاعتراف بالوثيقة: قد لا يتم الاعتراف بالوثائق الصادرة عن زواجات لا تلتزم بالضوابط والشروط النظامية، مما يحرم الأطراف من حقوقهم المترتبة على الزواج.
الأسانيد الشرعية والقانونية لمنع زواج القاصرات في السعودية:
قد يتساءل البعض عن مدى التوافق بين هذا المنع و أحكام الشريعة الإسلامية ، و الحقيقة أن الشريعة الإسلامية قائمة على تحقيق المصالح ودرء المفاسد وزواج القاصر غالباً ما يترتب عليه مفاسد جمة تفوق أي مصلحة متوهمة ، و الفقهاء المعاصرون والعديد من علماء الشريعة أفتوا بعدم جواز زواج القاصر بما يضر بها مستندين إلى مقاصد الشريعة التي تحث على رعاية النفس والعقل وحفظ النُرية وكلها تتأثر سلباً بالزواج المبكر.
ومن الناحية القانونية فإن منع زواج القاصرات في السعودية يستند إلى مبادئ حماية حقوق الإنسان وخصوصاً حقوق الطفل التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها المملكة ، كما أن الأنظمة السعودية مثل نظام حماية الطفل، تؤكد على ضرورة توفير البيئة الآمنة للأطفال وحمايتهم من أي شكل من أشكال الاستغلال أو الضرر.
الآثار الإيجابية لقانون زواج القاصرات في السعودية:
لمنع زواج القاصرات في السعودية آثار إيجابية متعددة تنعكس على الفرد والمجتمع ككل:
اولاً : حماية الصحة الجسدية والنفسية:
الزواج المبكر يعرض الفتيات لمخاطر صحية جسيمة أثناء الحمل والولادة فضلاً عن التأثيرات النفسية السلبية التي تنجم عن الانتقال المفاجئ من مرحلة الطفولة إلى مسؤوليات الزواج.
ثانياًً : ضمان الحق في التعليم:
الزواج غالباً ما يكون سبباً في انقطاع الفتيات عن التعليم مما يحرمهن من فرصة بناء مستقبلهن والمشاركة بفاعلية في المجتمع.
ثالثاً : تعزيز النمو الاجتماعي والعقلي:
الطفولة والمراهقة هي مرحلة بناء الشخصية وتطوير المهارات الاجتماعية والعقلية ، و الزواج المبكر يحرم القاصرة من هذه الفرصة مما يؤثر على قدرتها على اتخاذ قرارات ناضجة وإدارة حياتها.
رابعاً : تقليل حالات الطلاق:
غالباً ما تكون زيجات القاصرات غير مستقرة بسبب عدم النضج الفكري والعاطفي، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق وما يترتب على ذلك من تفكك أسري وآثار سلبية على الأبناء.
خامساً : الارتقاء بمكانة المرأة في المجتمع:
هذا المنع يؤكد على أن الفتاة ليست سلعة أو أداة بل هي إنسان كامل له حقوقه، ويساهم في تعزيز دورها كشريك فاعل في بناء المجتمع.
الأنظمة والقرارات الرئيسية لمنع زواج القاصرات في السعودية
-
نظام حماية الطفل (عام 1439هـ/2018م):
يُعتبر نظام حماية الطفل نقطة تحول أساسية حيث عرف الإيذاء بأنه “كل شكل من أشكال المعاملة السيئة أو الإهمال الذي يلحق بالطفل ضرراً جسدياً أو نفسياً أو عقلياً أو جنسياً.” وزواج القاصر دون السن المحدد يمكن أن يندرج تحت هذا التعريف إذا ترتب عليه ضرر للطفل.
-
تعميم المجلس الأعلى للقضاء (عام 1441هـ/2019م):
صدر تعميم من المجلس الأعلى للقضاء ينص على وجوب ألا يتم عقد الزواج لمن هم دون (18) سنة ميلادية ، وأوضح التعميم أنه في حال تقدم من هو دون هذا السن بطلب زواج تتم إحالة الطلب إلى المحكمة المختصة (محكمة الأحوال الشخصية) للتأكد من تحقق مصلحة القاصر وأن زواجه لن يلحق به ضررًا، مع مراعاة الضوابط والاشتراطات المحددة. هذا التعميم يعتبر قيدًا هامًا على صلاحيات المأذونين والقضاة.
-
قرارات وزارة العدل:
تبعاً للتعميمات القضائية، شددت وزارة العدل و كذلك قانون زواج القاصرات في السعودية على المزامنة بين بيانات الميلاد في سجلات الأحوال المدنية وطلبات الزواج، لضمان عدم وجود تلاعب في الأعمار كما أصدرت توجيهات للمأذونين بعدم عقد أي زواج لمن هم دون 18 عامًا إلا بقرار من المحكمة المختصة.
-
العقوبة والتصدي لزواج القاصرات:
على الرغم من عدم وجود “عقوبة سجن” مباشرة ومنصوص عليها بشكل صريح حاليًا في الأنظمة السعودية لمن يعقد زواج قاصر دون السن المحدد، فإن الإجراءات المتخذة تهدف إلى منع إتمام هذا الزواج من الأساس.
وفي الختام .. وعلى الرغم من التقدم الكبير لا تزال هناك بعض التحديات التي تتطلب المزيد من الجهد مثل تعزيز الوعي المجتمعي بأضرار زواج القاصرات، وتفعيل دور الجهات الرقابية لضمان تطبيق الأنظمة بحذافيرها وتوفير الدعم اللازم للأسر التي قد تقع ضحية لبعض الممارسات الخاطئة.
فالمملكة العربية السعودية تسير بقانون زواج القاصرات في السعودية من أجل حماية حقوق الطفل وضمان مستقبله ، ومنع زواج القاصرات هو لبنة أساسية في بناء مجتمع أكثر عدلاً ورفاهية، وهو يعكس التزام المملكة برعاية أبنائها وبناتها وتوفير أفضل الظروف لنموهم وازدهارهم.
اقرأ أيضا: إجراءات رفع دعوي إثبات النسب
الأسئلة الشائعة:
هل يحق لولي الأمر تزويج القاصر دون موافقتها في السعودية؟
لا، لا يحق لولي الأمر تزويج القاصر دون موافقتها الصريحة أمام المحكمة. نظام الأحوال الشخصية يشترط رضا الفتاة البالغ وتحقق المحكمة من سلامة القرار وعدم وجود ضرر عليها، وهو ما ينسجم مع مبدأ المصلحة الفضلى للقاصر.
ما الفرق بين المنع والتنظيم في قضية زواج القاصرات؟
المنع يعني حظرًا تامًا بلا استثناء، أما التنظيم فهو وضع شروط صارمة ومحددة لحالات خاصة. في السعودية، زواج من هم دون 15 عامًا ممنوع كليًا، بينما من هم بين 15 و18 عامًا يمكن زواجهم بإذن قضائي وبعد استيفاء شروط نفسية وصحية واجتماعية دقيقة.
هل يعتبر زواج القاصر جريمة يعاقب عليها النظام؟
رغم أن النظام لا يجرّم زواج القاصر بشكل مباشر، إلا أن الجهات التي تسهّل أو توثق زواجًا مخالفًا قد تتعرض لعقوبات تأديبية وإدارية. ويُعد ذلك مخالفة صريحة لأنظمة حماية الطفل وقد يؤدي إلى سحب التراخيص أو التحقيق الجنائي في بعض الحالات.
ما دور وحدة الحماية الاجتماعية في حالات زواج القاصرات؟
تتدخل وحدة الحماية الاجتماعية في حال وُجد ضرر فعلي أو محتمل على القاصر نتيجة الزواج. وقد تطالب بإلغاء العقد أو اتخاذ إجراءات حمائية فورية، بما في ذلك تحويل الحالة للمحكمة المختصة لحماية حقوق القاصر من أي انتهاك.
هل تؤثر الشهادة المدرسية أو المستوى التعليمي في قرار المحكمة؟
نعم، تأخذ المحكمة بعين الاعتبار مستوى تعليم القاصر كعنصر مهم في تقييم نضجها وقدرتها على تحمل مسؤوليات الزواج. انخفاض المستوى التعليمي قد يُفسر كمؤشر على عدم الجاهزية النفسية والاجتماعية، مما يؤدي غالبًا إلى رفض طلب الزواج.