الجرائم الإلكترونية أصبحت تمثل تحديًا حقيقيًا في العصر الرقمي، وخصوصًا في المملكة العربية السعودية التي تشهد تحولًا رقميًا واسعًا على كافة الأصعدة. سواء كنت فردًا، صاحب عمل، أو جهة حكومية، فقد تكون عرضة لهجمات إلكترونية تتسبب في خسائر مالية أو تهدد خصوصيتك. من هنا تأتي أهمية التوعية وفهم الأطر القانونية والتقنية لمواجهة هذا النوع من الجرائم.
في هذه المقالة الشاملة، نستعرض مفهوم الجرائم الإلكترونية، وطرق التعامل معها، والتقنيات الحديثة في ملاحقتها، بالإضافة إلى عرض أمثلة حقيقية، ودور النيابة العامة في حماية المجتمع الرقمي
ما هي الجرائم الإلكترونية؟
الجرائم الإلكترونية هي كل فعل غير مشروع يُرتكب باستخدام الحاسبات أو الشبكات أو أي وسيلة إلكترونية، ويهدف إلى المساس بأمن المعلومات أو سرية البيانات أو سلامة الأنظمة الرقمية. وتتنوع هذه الجرائم بشكل كبير، فقد تستهدف الأفراد مباشرة، كما في حالات الابتزاز أو التشهير، أو تستهدف مؤسسات وجهات حكومية أو مالية، كما في حالات اختراق الأنظمة أو تسريب معلومات حساسة.
أنواع الجرائم الإلكترونية المنتشرة في السعودية
رغم تطور وسائل الحماية التقنية، إلا أن بعض أنواع الجرائم الإلكترونية لا تزال تتكرر، ومن أبرزها:
1. الاختراق غير المشروع للحسابات أو الأنظمة
يقصد به دخول شخص غير مصرّح له إلى حساب إلكتروني، سواء كان بريدًا إلكترونيًا أو حسابًا على وسائل التواصل أو حتى نظامًا إلكترونيًا حكوميًا أو خاصًا. هذا الفعل يشكل انتهاكًا صريحًا للخصوصية ويعاقب عليه القانون السعودي بشدة.
2. الابتزاز الإلكتروني
ويحدث عندما يحصل المجرم على صور أو مقاطع فيديو خاصة بالفرد – غالبًا من خلال التهكير أو الخداع – ثم يستخدمها لتهديد الضحية بطلب أموال أو خدمات أو مقابل التوقف عن نشر تلك المواد. هذه الجريمة تعد من أخطر الجرائم الإلكترونية لما تسببه من أضرار نفسية واجتماعية جسيمة.
3. نشر الشائعات أو المعلومات الكاذبة
تنتشر هذه الجريمة غالبًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقوم البعض بنشر أخبار ملفقة أو غير موثقة، وقد تكون هذه الأخبار ذات طابع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. ويزداد خطر هذه الجريمة عندما تمس الأمن الوطني أو تحرّض على الكراهية أو تؤثر على السلم الاجتماعي.
4. الاحتيال المالي الإلكتروني
ويتخذ هذا النوع أشكالًا عديدة، منها إنشاء مواقع وهمية تدّعي أنها تبيع منتجات أو تقدم خدمات، أو إرسال رسائل تصيّد تبدو وكأنها من جهات رسمية أو بنوك، وتهدف إلى سرقة بيانات الضحية أو أمواله. وغالبًا ما يقع ضحايا هذا النوع من الجرائم من فئات عمرية صغيرة أو كبار السن.
5. التشهير والإساءة عبر الإنترنت
التشهير هو نشر معلومات أو صور أو محتوى سلبي عن شخص أو جهة دون إذنه، بهدف الإضرار بسمعته. وقد يتم ذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي أو المنتديات أو حتى في مجموعات الواتساب. ويُعد هذا الفعل جريمة يعاقب عليها القانون، حتى وإن كان المحتوى المنشور صحيحًا، إذا لم يكن هناك مبرر قانوني لنشره.
6. التجسس على البيانات والتنصّت على المحادثات
وتشمل مراقبة الأجهزة أو التنصت على المكالمات أو الاطلاع على رسائل البريد أو المحادثات الخاصة دون إذن. ويعد هذا النوع من الجرائم انتهاكًا خطيرًا للحرية الشخصية، ويشكل تعديًا على سرية الاتصالات المحمية نظامًا.
7. التحريض على الجرائم أو المخالفات الأخلاقية والدينية
بعض الحسابات تنشر محتوى يدعو إلى مخالفة النظام العام، أو يمس القيم الإسلامية، أو يحرض على سلوكيات منحرفة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ويعد هذا النوع من الجرائم الإلكترونية من أشدها ضررًا، لأنه لا يمس الأفراد فقط بل يؤثر على المجتمع بأسره.
النظام السعودي لمكافحة الجرائم المعلوماتية
لحماية المجتمع من هذه الجرائم، أصدرت المملكة العربية السعودية نظام مكافحة جرائم المعلوماتية بموجب المرسوم الملكي رقم (م/17) وتاريخ 8/3/1428هـ. ويُعد هذا النظام المرجع الأساسي في تنظيم العقوبات الخاصة بالجرائم الإلكترونية، حيث حدّد بدقة أنواع الجرائم والعقوبات المقررة لكل منها.
أبرز العقوبات المنصوص عليها في النظام:
-
السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات في بعض الجرائم الخطيرة.
-
الغرامة المالية التي قد تصل إلى 5 ملايين ريال سعودي.
-
في بعض الحالات، قد تُطبق العقوبتان معًا (السجن والغرامة)، حسب جسامة الجريمة وتأثيرها.
كما نص النظام على عقوبات إضافية مثل:
-
مصادرة الأجهزة أو البرامج المستخدمة في ارتكاب الجريمة.
-
نشر الحكم على نفقة المدان في بعض الحالات، ردعًا له ولغيره.
-
إغلاق المواقع الإلكترونية المستخدمة في الجريمة.
أهمية التوعية والحذر
من المهم جدًا أن يعي كل فرد في المجتمع السعودي خطورة الجرائم الإلكترونية، سواء كان مستخدمًا عاديًا أو صاحب عمل أو مسؤولًا في جهة حكومية. ويجب اتخاذ الإجراءات الوقائية التالية:
-
استخدام كلمات مرور قوية وتحديثها باستمرار.
-
الحذر من الرسائل المجهولة أو الروابط المشبوهة.
-
عدم مشاركة المعلومات الحساسة مع أي جهة غير موثوقة.
-
الإبلاغ الفوري عن أي جريمة إلكترونية عبر تطبيق كلنا أمن أو من خلال النيابة العامة.
ويخضع مرتكبو هذه الأفعال لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية الصادر عام 1428هـ، الذي نص في مواده على العقوبات التي قد تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات والغرامة حتى 5 ملايين ريال حسب جسامة الجريمة.
كيف تتعامل مع الجرائم الإلكترونية: نصائح وإرشادات
في عالمنا المعاصر، أصبحت الجرائم الإلكترونية من أبرز التهديدات التي تواجه الأفراد والمؤسسات على حدّ سواء. فمع توسّع استخدام الإنترنت والخدمات الإلكترونية، تظهر أساليب معقدة ومتغيرة يوميًا تستهدف سرقة البيانات، النصب والاحتيال، الابتزاز، واختراق خصوصية الضحايا. لذا، إذا كنت ضحية لجريمة إلكترونية أو لاحظت نشاطًا مريبًا على الشبكة، فإليك دليلًا مفصّلًا يحوي نصائح وإرشادات عملية تساعدك على التعامل الصحيح مع الموقف، بدءًا من كيفية حفظ الأدلة وصولًا إلى اتخاذ التدابير الاحترازية لتفادي الوقوع في فخّ الجرائم الإلكترونية مستقبلاً.
لماذا يجب أن نكون يقظين تجاه الجرائم الإلكترونية؟
-
تزايد الاعتماد على الخدمات الرقمية
أصبحت معظم معاملاتنا المالية والاجتماعية وحتى الحكومية تتم عبر الإنترنت. حساسية البيانات الشخصية والمعلومات المصرفية يمكن أن تحوِّل أي اختراق بسيط إلى كابوس قانوني واقتصادي. -
تنوع الوسائل والأساليب الإجرامية
تتعدد صور الجرائم الإلكترونية بين:-
الاحتيال المالي الإلكتروني عبر روابط تصيد (Phishing) أو تطبيقات وهمية تطلب بيانات بنكية.
-
الابتزاز الإلكتروني باستخدام ملفات أو صور مسروقة.
-
نشر الشائعات أو الأخبار الكاذبة بهدف تشويه سمعة شخص أو جهة.
-
الاختراق المباشر لأنظمة الشركات أو الأفراد بهدف سرقة ملفات أو معلومات حساسة.
-
التجسس والتنصت على المكالمات أو الرسائل عبر برامج خبيثة (Malware).
-
-
التشريعات السعودية الصارمة
نظرًا لخطورة هذه الجرائم وأثرها السلبي على الأفراد والمؤسسات، أصدرت المملكة نظام مكافحة جرائم المعلوماتية (1428 هـ) الذي يغلّظ العقوبات ويحدد خطوات التحقيق والمتابعة القانونية. لذلك، من الضروري للمواطن والمقيم أن يكون على دراية بكيفية التصرف السليم عند التعرض لأي هجوم أو عملية احتيال إلكتروني.
أولاً: ماذا تفعل فورًا إذا كنت ضحيةً لجريمة إلكترونية؟
إذا تبين لك أنك تعرضت لمحاولة اختراق أو ابتزاز أو احتيال أو أي شكل آخر من أشكال الجرائم الإلكترونية، فإن سرعة التحرك والتصرّف الصحيح يمكن أن تُحافظ على حقوقك القانونية وتزيد من فرصة القبض على الجاني. إليك الخطوات الواجب اتباعها:
1. الحفاظ على الأدلة الرقمية
-
لا تحذف ولا تمسح أي محتوى
قد تكون محاولات الجناة مدمرة نفسيًا، فقد ينشرون رسائل مسيئة أو صورًا خاصة أو يهدّدون الضحية بنشر معلومات حساسة. لكن تذكّر أن هذه المواد تشكّل الدليل الأهم أمام الجهات الأمنية والنيابة العامة. احفظ أي رسالة واردة، وأي رابط مشبوه، وأي صورة أو ملف تم تنصيبه على جهازك. -
التقاط لقطات شاشة (Screenshots)
قم بتوثيق المحادثات النصية أو رسائل البريد الإلكتروني التي تتضمن التهديد أو الطلبات المالية. احرص على تضمين تفاصيل الوقت والتاريخ في الصورة. -
حفظ السجلات (Logs)
إذا تعرّضت لاختراق حساب بريد إلكتروني أو شبكة اجتماعية، اطلب من مقدم الخدمة (مثل موفر البريد أو مدير الشبكة) تزويدك بسجلات الدخول (Login History) التي توضح عناوين الـ IP المستخدمة وأوقات التسجيل. هذه السجلات تساعد المحققين في تتبع مصدر الهجوم. -
التواصل مع خبير تقنية معلومات موثوق
في حال كان الهجوم تقنيًا عميقًا (على سبيل المثال، تواجد برامج تجسس على الحاسوب أو الهاتف)، قد تحتاج إلى خبرة فنية لاسترجاع البيانات المحذوفة أو تحليل الفيروسات والبرمجيات الخبيثة. احتفظ بنسخة توثيقية (Clone) من القرص الصلب قبل أي محاولة فحص حتى لا تتلاشى الأدلة.
2. الإبلاغ الفوري للجهات المختصة
كل دقيقة تأخير يصعّب عملية التحقيق والإمساك بالجاني، لأن الجناة يعتمدون غالبًا على إنهاء دليل رقمي أو تغيير عناوين الـ IP والأجهزة المستخدمة. إليك أهم القنوات الرسمية في المملكة:
أ. تطبيق “كلنا أمن”
-
تابع لوزارة الداخلية، ويتيح لك رفع بلاغ فوري عن أي جريمة معلوماتية. يمكنك إضافة وصف مفصّل للواقعة، إرفاق لقطات الشاشة، الروابط المشبوهة، وأي مستندات أو لقطات من سجل المحادثات.
-
يتولى نظام التطبيق توجيه البلاغ إلى فرع مكافحة الجرائم الإلكترونية المختص في منطقتك، مع إمكانية متابعة حالة البلاغ عبر التطبيق نفسه.
ب. المنصة الوطنية الموحدة (بوابة gov.sa)
-
انتقل إلى خدمات الجهات الأمنية، ثم اختر تصنيف “بلاغات جرائم المعلوماتية”. ستحتاج إلى تسجيل الدخول بحساب أبشر أو النفاذ الوطني الموحد.
-
بعد تعبئة نموذج البلاغ، يمكنك تحميل الأدلة الرقمية المتاحة لديك (رسائل البريد، لقطات الشاشة، أي وثائق أخرى). تتولى الجهات المختصة دراسة البلاغ واتخاذ الإجراءات اللازمة.
ج. النيابة العامة أو مركز الشرطة
-
في حال لم تكن لديك الإمكانية لاستخدام القنوات الإلكترونية، يمكنك التوجه شخصيًا إلى أقرب مركز شرطة أو فرع النيابة العامة وتقديم بلاغ رسمي.
-
يجب أن تحضر معك كل الأدلة المُدّخرة (رسائل، صور، إيصالات تحويل مالي إن وجدت) على أجهزة تخزين خارجية (فلاش ميموري أو أقراص صلبة خارجية)، بحيث يتمّ حفظها كدليل رسمي.
ثانيًا: كيف تحمي نفسك من الجرائم الإلكترونية مستقبلاً؟
الإجراءات الوقائية تُعدُّ الوسيلة الأمثل لحماية بياناتك وأموالك وسمعتك الرقمية. إليك مجموعة من الإرشادات التقنية والسلوكية التي تُقلل بدرجة كبيرة من احتمالية الوقوع ضحية للجرائم الإلكترونية:
1. استخدام برامج وتطبيقات مأمونة ومحدثة
-
تحديث نظام التشغيل باستمرار
سواء كنت تستخدم نظام Windows أو macOS أو Linux أو Android أو iOS، تأكد من تفعيل خيار التحديث التلقائي. التحديثات تتضمَّن ترقيعات أمنية لسد الثغرات التي يكتشفها الباحثون الأمنيون باستمرار. -
تنزيل برامج مكافحة الفيروسات (Antivirus) وتحديثها دوريًا
اعتمد على برامج معروفة مثل Norton أو Kaspersky أو Bitdefender أو برامج محلية معتمدة. فحص دوري لجهازك يمكن أن يكشف محاولة زرع ملفات خبيثة (Malware) قبل وقوع الكارثة. -
تفعيل جدار الحماية (Firewall)
معظم أنظمة التشغيل الحديثة تتضمن جدار حماية مدمجًا، لكن هناك جدران حماية متقدمة يمكنك تثبيتها إن كنت تتعامل مع معلومات حساسة.
2. تفعيل خاصية التحقق بخطوتين (Two-Factor Authentication – 2FA)
-
كيف تعمل؟
بعد كتابة كلمة المرور، يرسل النظام رمزًا مؤقتًا إلى هاتفك أو بريدك الإلكتروني أو يُنشئه تطبيق (مثل Google Authenticator). حتى لو تمكن المهاجم من الحصول على كلمة المرور، سيظل عاجزًا عن الدخول دون هذا الرمز الإضافي. -
أين تستخدمها؟
-
الحسابات البنكية والتطبيقات المالية.
-
البريد الإلكتروني (Gmail، Outlook، Yahoo).
-
حسابات التواصل الاجتماعي (تويتر، فيسبوك، إنستغرام، لينكدإن).
-
خدمات البوابات الحكومية (أبشر، نفاذ، منصة التأشيرات، وغيرها).
-
3. إتقان صياغة كلمات مرور قوية وفريدة
-
مزيج من الأحرف والأرقام والرموز
اختر كلمة مرور لا تقل عن 12 حرفًا، تجمع بين الحروف الكبيرة (A-Z) والحروف الصغيرة (a-z) والأرقام (0-9) والرموز الخاصة (!@#$%^&*). -
لا تستخدم نفس كلمة المرور لأكثر من حساب
في حال تسريب كلمة المرور من موقع واحد، يصبح المهاجم قادرًا على امتحانها في خدمات أخرى (طريقة تسمى Credential Stuffing). -
تخزين كلمات المرور بشكل آمن
استخدم برامج إدارة كلمات المرور (Password Managers) مثل LastPass أو 1Password أو Bitwarden، فهي تولّد كلمات قوية تلقائيًا وتخزنها في مكان مشفَّر.
4. توخي الحذر من الرسائل والعروض المشبوهة
-
روابط الرسائل الإلكترونية (Phishing Links)
نشاهد يوميًا رسائل تصيد تزعم أنها من البنوك أو الجهات الحكومية تطلب تحديث بياناتك عبر رابط مزيف. دائمًا تأكد من عنوان المرسل (Domain) ولا تدخل بياناتك عبر أي رابط يُرسل إليك دون أن تتحقق بنفسك من الموقع الرسمي. -
المرفقات غير المعروفة
لا تفتح ملفات تحمل امتدادات.exe
أو.js
أو.zip
أو.rar
أو.scr
صادرة من أشخاص مجهولين أو حتى من أصدقاء إذا لم يتأكدوا من مصدرها. حاول دائمًا سؤال المرسل عن سبب الإرسال. -
المكالمات والرسائل النصية الوهمية (Vishing/SMS Phishing)
قد تتلقي مكالمة تزعم أنها من البنك وتطلب تحديث بياناتك عبر الهاتف. البنوك السعودية بوجه عام لا تطلب منك رقم بطاقة الصراف أو الرمز السري عبر الهاتف. إذا حصلت على مكالمة مماثلة، أغلق الخط وتواصل مع البنك مباشرةً عبر الرقم الرسمي.
5. تشفير البيانات والحسابات الحساسة
-
تشفير القرص الصلب (Disk Encryption)
معظم الأنظمة توفر خيار تشفير كامل للقرص الصلب، بحيث لا يمكن للمهاجم الوصول للبيانات حتى لو استخرج القرص من جهازك (مثال: BitLocker في Windows، FileVault في macOS). -
استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) عند الاتصال بشبكات عامة
إذا كنت تستخدم شبكة واي فاي عامة في مقهى أو مطار، فإن بياناتك تكون عرضة للاعتراض (Man-in-the-Middle). استخدام VPN موثوق يقوم بتشفير الاتصال ويمنع المتطفلين من التنصت.
ثالثًا: الاستفادة من التقنيات الحديثة في ملاحقة الجناة
لا يقتصر دور الأفراد على الحماية والتبليغ فحسب، بل تلعب الجهات الأمنية دورًا حيويًا في ملاحقة المتهمين وتقديمهم للعدالة باستخدام أحدث التقنيات الرقمية:
1. الذكاء الاصطناعي وتحليل أنماط الهجوم
-
اكتشاف محاولات التصيد الاحتيالي (Phishing Detection)
تعتمد بعض الأنظمة الأمنية على الذكاء الاصطناعي لتحليل المحتوى المتداول على البريد الإلكتروني ووسائل التواصل، واستكشاف الرسائل المشبوهة التي تحتوي على روابط مضللة أو نصوص تتصرف بطريقة نمطية سلبية. -
تحليل سلوك المستخدم (User Behavior Analytics)
عبر متابعة أنماط دخول المستخدمين للحسابات – مثل الأوقات المعتادة ومواقع الـ IP المعروفة – يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي أن يرفع إنذارًا فور ملاحظة محاولة دخول غير مألوفة من منطقة جغرافية غريبة أو مجرّد تغيير غير طبيعي في سلوك الحساب.
2. الأدلة الجنائية الرقمية (Digital Forensics)
-
استرجاع البيانات المحذوفة
حتى لو قام الجاني بحذف رسائل أو صور أو ملفات، يمكن لخبراء الأدلة الجنائية الرقمية استعادتها من الذاكرة الداخلية للأجهزة أو من النسخ المؤقتة (Cache).-
يتم استخدام برامج متخصصة لفحص القرص الصلب وقطاعات الذاكرة واستعادة الآثار الرقمية للأفعال السابقة.
-
-
تحليل محتوى الهاتف المحمول
في حالات الابتزاز أو التجسس، قد يكون هاتف الضحية أو الجاني محمّلًا ببرامج خبيثة تقوم بتسجيل المحادثات أو التقاط الصور. المختبرات المتخصّصة قادرة على استخراج معلومات التطبيقات والملفات حتى بعد محوها تقنيًا.
3. تحليل البيانات الضخمة (Big Data Analytics)
-
ربط المعلومات ببعضها
الجهات الأمنية تجمع ملايين السجلات من مزودي خدمات الإنترنت ومراكز البيانات الحكومية والخاصة. من خلال تحليل قواعد البيانات الضخمة، يمكن تتبُّع مجرمي الإنترنت ووضعهم ضمن خريطة بيانات تظهر الصلة بين نشاطات مختلفة (مثلاً حسابات متشابهة الاسم، أو عناوين IP مشابهة). -
توقع نقاط الضعف وإحباط الهجمات القادمة
بنية البيانات الضخمة تساعد على بناء نماذج تنبؤية للتعرف على أنماط الهجوم المستقبلية، مثل تحديد الأوقات التي يشتدّ فيها الهجوم على القطاعات المصرفية أو التعليمية.
4. تقنيات التتبع الرقمي (IP Tracking وGeolocation)
-
تحديد موقع الجاني الجغرافي
بالرغم من استخدام المهاجمين لشبكات VPN أو الخوادم الوكيلة (Proxies) لإخفاء هويتهم، إلا أن هناك أدوات أمنية متقدمة تستطيع تتبع حزم البيانات ومعرفة المصدر الحقيقي عبر عدة خطوات تقنّية (مثل تتبع الحزم السابقة للربط مع عنوان IP الأصلي). -
التنسيق مع مزودي خدمات الإنترنت (ISPs)
عند إصدار أمر قضائي، تتعاون الجهات الأمنية مع شركات الاتصالات ومزودي الإنترنت للإفصاح عن معلومات الحسابات أو السجلات المطلوبة لكشف هوية الجاني وتضييق الخيارات أمامه.
رابعًا: التعاون الدولي لمكافحة الجرائم الإلكترونية
الإنترنت لا يعترف بالحدود الجغرافية، وقد يكون المجرم مقيمًا في دولة أخرى. لهذا السبب تحرص المملكة العربية السعودية على:
-
التعاون مع الإنتربول والمنظمات العالمية
من خلال مشاركة معلومات عن الجناة المطلوبين وتنسيق الملاحقات القضائية معهم، سواء في دول الجوار أو الدول البعيدة. -
الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف
تبادل المعلومات الفنية والتقنية حول أحدث أساليب القرصنة والاحتيال، بحيث يمكن ضبط القادة الرئيسيين لشبكات الجريمة الإلكترونية التي تستخدم خوادم في أكثر من دولة. -
المشاركة في مؤتمرات الأمن السيبراني
حضور السعودية المؤتمرات والمنتديات العالمية للإسهام في صياغة أفضل الاستراتيجيات والحلول التقنية والتشريعية، والاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذا المجال.
خامسًا: نصائح إضافية لتعزيز الوعي الرقمي
-
التثقيف الذاتي واستثمار الوقت في التعلم
-
تابع المدونات والقنوات الرسمية للأمن السيبراني في السعودية (مثل المركز الوطني للأمن السيبراني).
-
احضر دورات تدريبية مجانية أو مدفوعة حول أساسيات حماية المعلومات والشبكات.
-
-
توعية العائلة والأصدقاء
-
علّم أفراد العائلة (خصوصًا كبار السن) كيفية التمييز بين الرسائل الحقيقية والمزيفة.
-
احذرهم من مشاركة الثغرات حول حياتهم الشخصية أو العائلية على مواقع التواصل.
-
-
المراجعة الدورية للإعدادات والخصوصية
-
تحقق بشكل دوري من إعدادات الخصوصية في حسابات التواصل الاجتماعي.
-
اطلع على قائمة الأجهزة المصرح لها بحسابك، وأزل أي جهاز لا تعرفه.
-
-
الابتعاد عن التحميل العشوائي
-
قبل تثبيت أي تطبيق من الإنترنت (خاصة من متاجر خارجية)، تأكد من مصدره وقرْ قراءة التقييمات والتعليقات.
-
لا تتردد في حذف أي تطبيق مشبوه أو لا تستخدمه لتقليل نقاط الخطر المحتملة.
-
سادسًا: خلاصة وتوصيات ختامية
-
التصرف السريع والواعي في حال التعرض لأي جريمة إلكترونية يزيد من فرص استعادة الحقوق وملاحقة الجناة.
-
الحفاظ على الأدلة خطوة لا غنى عنها، فقد تكون مفتاحًا لحلّ القضية.
-
الإبلاغ الفوري عبر تطبيق “كلنا أمن” أو المنصة الوطنية الموحدة أو الجهات الحكومية يقلل من انتشار الجريمة وحجم الضرر.
-
استخدام أساليب الحماية الإلكترونية (التحديث الدوري، كلمات المرور القوية، التحقق بخطوتين، VPN) يُعد من أهم الخطوات الوقائية.
-
الاعتماد على التقنيات الحديثة وتنمية التعاون الدولي يعززان قدرة المملكة على مواجهة التحديات المتجددة في عالم الجريمة الرقمية.
بتطبيقك لهذه النصائح والإرشادات بشكل عملي ومستمر، ستتمكن بإذن الله من الحفاظ على بياناتك وأموالك وسمعتك، وستجعل من فيض التهديدات السيبرانية عقبة لا يمكن للجناة تجاوزها.
التقنيات الحديثة في ملاحقة الجرائم الإلكترونية:
1. تحليل الأدلة الجنائية الرقمية (Digital Forensics)
الأدلة الجنائية الرقمية هي أحد أهم فروع التحقيق الإلكتروني، حيث تُستخدم لاسترجاع وتحليل البيانات من الأجهزة المصابة أو المخترقة.
كيف تعمل؟
-
يتم تحليل القرص الصلب، الهواتف، والأجهزة المحمولة لاستخراج بيانات قد تكون محذوفة أو مخفية.
-
تُستخدم أدوات متخصصة مثل:
-
EnCase
-
FTK (Forensic Toolkit)
-
Cellebrite لتحليل الهواتف المحمولة
-
-
يمكن لهذه الأدوات:
-
استرجاع الرسائل النصية والصور والمحادثات.
-
معرفة التطبيقات التي تم تثبيتها أو إزالتها.
-
استخراج بيانات من الشبكات الاجتماعية وسجلات التصفح.
-
أهميتها:
تُعد هذه التقنية جوهرية في قضايا الابتزاز الإلكتروني، التجسس، اختراق الحسابات، وحتى في جرائم التشهير والمضايقة عبر الإنترنت.
2. تقنيات تتبع عناوين IP وتحليل الموقع الجغرافي (Geolocation & IP Tracking)
أحد أهم أساليب تحديد هوية المجرمين الرقميين هو تعقُّب أثرهم من خلال عنوان الـ IP الخاص بهم.
آلية العمل:
-
يُستخدم عنوان IP لتحديد موقع الجاني على الخريطة بدقة تقريبية.
-
في حالة استخدام شبكات VPN أو أدوات إخفاء الهوية، يتم الاعتماد على تقنيات أكثر تقدمًا مثل:
-
تحليل الأنماط السلوكية للاتصال.
-
تتبع التبديل المتكرر لعناوين IP عبر خدمات الـ VPN.
-
تحليل البصمة الرقمية للجهاز (Device Fingerprinting).
-
التعاون مع مزودي الخدمة:
عند وجود أمر قضائي، تُطلب من شركات الاتصالات ومزودي الإنترنت سجلات المستخدم المشتبه به، والتي تشمل:
-
أوقات الاتصال.
-
عناوين الـ IP.
-
الأجهزة المستخدمة.
3. تحليل سلوك المستخدم (User Behavior Analytics – UBA)
تُستخدم هذه التقنية لتحديد الأنشطة غير المعتادة التي قد تشير إلى وجود اختراق أو سلوك إجرامي.
ما الذي تقوم بتحليله؟
-
توقيتات تسجيل الدخول.
-
المواقع الجغرافية المختلفة للحساب نفسه.
-
تغييرات مفاجئة في سلوك الاستخدام (مثل تغيير كلمة المرور أو حذف ملفات).
أمثلة على الاستخدام:
-
إذا قام شخص بالدخول إلى حساب بنكي من عنوان IP جديد، وفي وقت غير معتاد، يمكن أن تُصدر الأنظمة إنذارًا تلقائيًا.
-
تستخدم هذه التقنية في المؤسسات المالية، المنصات التعليمية، وحتى أنظمة الحوكمة الإلكترونية.
4. الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي (AI & Machine Learning)
الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا، بل أصبح أداة أساسية في كشف الجرائم الإلكترونية المعقدة.
كيف يُستخدم؟
-
تحليل ملايين الرسائل الإلكترونية لاكتشاف رسائل التصيد الاحتيالي.
-
التعرف على أنماط هجمات معروفة، ومنعها قبل وقوعها.
-
إنشاء خوارزميات تتعلم من الهجمات السابقة للتنبؤ بالأساليب الجديدة.
في المملكة:
يُستخدم الذكاء الاصطناعي حاليًا في:
-
المركز الوطني للأمن السيبراني لتحليل التهديدات الرقمية.
-
أنظمة البريد والجهات الحكومية للكشف المبكر عن محاولات الاحتيال.
5. التحليل الشبكي والتقاط الحزم (Packet Sniffing & Network Analysis)
عندما تقع هجمة إلكترونية، فإن تحليل حركة الشبكة يُمكن أن يكشف الكثير.
الأدوات المستخدمة:
-
Wireshark
-
tcpdump
ماذا تُظهر هذه الأدوات؟
-
محاولات الاتصال غير المصرح بها.
-
البرمجيات الخبيثة التي تحاول إرسال البيانات خارج الشبكة.
-
الأوامر التي ينفذها المخترق على الخادم.
دورها:
تُستخدم في القضايا التي تشمل:
-
اختراق السيرفرات.
-
سرقة البيانات.
-
إنشاء شبكات Botnet أو التحكم عن بعد.
6. تحليل البيانات الضخمة (Big Data Analytics)
نظرًا لكمية البيانات الهائلة التي يتم تداولها يوميًا، ظهرت حاجة لتحليل سريع ودقيق يساعد في كشف الأنماط الإجرامية.
كيف يُستخدم؟
-
ربط الحسابات المزيفة ببعضها من خلال تحليل الكلمات المشتركة، الصور، الروابط.
-
تتبع شبكات النصب والاحتيال من خلال قواعد البيانات الضخمة.
-
إنشاء نماذج تنبؤية لكشف الهجمات المحتملة.
فائدته في السعودية:
-
تحليل بيانات البلاغات المقدمة من تطبيق “كلنا أمن”.
-
تتبع الحملات الاحتيالية التي تستهدف جهات حكومية أو شركات كبرى.
7. التحقيق في شبكة الإنترنت المظلمة (Dark Web Investigations)
الكثير من الجرائم الإلكترونية يتم التخطيط لها وتنفيذها من خلال الإنترنت المظلم، وهي شبكات لا تظهر على محركات البحث العادية.
كيف يتم الوصول إليها؟
-
باستخدام متصفح Tor وبرمجيات متخصصة.
-
تحليل الأنشطة التي تجري داخل المنتديات المشبوهة.
ما الذي تبحث عنه الجهات المختصة؟
-
بيع البيانات المسروقة (مثل بطاقات الائتمان أو حسابات المستخدمين).
-
الإعلانات عن خدمات اختراق أو ابتزاز.
-
مخازن للصور ومقاطع الابتزاز.
جهات سعودية تتعامل مع هذا النوع:
-
هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات.
-
رئاسة أمن الدولة.
-
الجهات المختصة في وزارة الداخلية.
8. التحقق الرقمي من الصور والفيديوهات (Multimedia Forensics)
في قضايا التشهير والابتزاز، تُستخدم الصور ومقاطع الفيديو كأداة جريمة.
كيف تساعد هذه التقنية؟
-
التحقق من صحة الصور واكتشاف التلاعب بها (مثلاً تعديل عبر الفوتوشوب).
-
استخراج البيانات الوصفية (Metadata) مثل تاريخ التصوير، نوع الجهاز، والموقع الجغرافي.
-
مقارنة خلفيات الصور بمواقع معروفة لمعرفة مكان التقاطها.
9. التحقيق عبر وسائل التواصل الاجتماعي (Social Media Intelligence – SOCMINT)
وسائل التواصل أصبحت منصة مفتوحة لارتكاب الجرائم أو التخطيط لها.
كيف تعمل التقنية؟
-
مراقبة الكلمات المفتاحية التي تُستخدم في التهديد أو الابتزاز.
-
تحديد الحسابات الوهمية أو المرتبطة بنفس الجاني.
-
التتبع الزمني لتطور المحادثات والمنشورات.
أدوات مستخدمة:
-
Maltego
-
Social-Searcher
-
أدوات Meta للتحقق من الصور والفيديوهات.
10. التعاون الدولي وتبادل المعلومات الاستخباراتية
الجريمة الإلكترونية لا تعترف بالحدود، وقد يكون الجاني في دولة أخرى.
دور السعودية:
-
توقيع اتفاقيات مع جهات دولية مثل الإنتربول والأجهزة الأوروبية والأمريكية.
-
استخدام قواعد بيانات دولية لتحديد مواقع الجناة وتتبع جرائمهم.
-
الاستفادة من المنظمات مثل:
-
ICANN
-
CERT
-
Europol EC3 (مركز مكافحة الجرائم الإلكترونية الأوروبي)
-
10 أمثلة على الجرائم الإلكترونية وكيف تم ملاحقتها :
فيما يلي أمثلة حقيقية من داخل المملكة:
-
ابتزاز فتاة عبر سناب شات
تم القبض على الجاني بعد تتبع عنوان IP، وحُكم عليه بالسجن والغرامة. -
احتيال إلكتروني عبر موقع وهمي لبيع السيارات
استخدم الجاني موقعًا مزيفًا وسُجن بعد تعقب تحويلاته البنكية. -
نشر شائعات كاذبة عن منشأة حكومية
تم التعرف على الجاني عن طريق حساب تويتر، وأُحيل للنيابة العامة. -
تهديد بنشر صور خاصة
تم القبض على الفاعل وتحويله للمحكمة الجزائية. -
اختراق نظام شركة كبرى
ضبط الجناة بعد تتبع عمليات الاختراق وتنسيق مع مركز الأمن السيبراني. -
سرقة حسابات بنكية عبر رسائل احتيالية (Phishing)
تم التحقيق وإرجاع الأموال للضحايا. -
استغلال الأطفال عبر الإنترنت
أُحيلت القضية للنيابة العامة بعد بلاغ أسري. -
تسريب بيانات موظفين من داخل جهة عمل
رصد التهديدات داخليًا واتخذت إجراءات جنائية. -
تشهير عبر تغريدات مسيئة
تم حجز الحساب وتحويل القضية إلى الجهات المختصة. -
بيع مواد محظورة عبر الإنترنت
تم تعقب الموقع وضبط الجاني بالتعاون مع هيئة الاتصالات.
دور النيابة العامة في ملاحقة الجرائم الإلكترونية
تلعب النيابة العامة السعودية دورًا رئيسيًا في مكافحة الجرائم الإلكترونية، ويتجلى هذا الدور في:
-
التحقيق المباشر في البلاغات الإلكترونية
-
التعاون مع الجهات الأمنية مثل هيئة الأمن السيبراني وهيئة الاتصالات
-
توجيه الاتهامات بناءً على نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية
-
طلب العقوبات التي قد تصل إلى السجن لسنوات وغرامات بمئات الآلاف من الريالات
كما تقوم النيابة العامة بجهود توعوية كبيرة، وتنشر بانتظام تحذيرات من أنشطة إلكترونية مشبوهة.
في الختام:
الجرائم الإلكترونية أصبحت واقعًا لا يمكن تجاهله، وخصوصًا في مجتمع رقمي مثل المجتمع السعودي. وفهم القانون، والاستعانة بالتقنيات الحديثة، والتعاون مع الجهات الرسمية، هي أفضل السبل لمواجهة هذا التحدي. سواء كنت ضحية أو مستخدمًا عاديًا، فإن وعيك وتعاونك يُعد جزءًا من منظومة الأمن الرقمي الوطني.
يمكنك الاطلاع علي :قانون الجرائم المعلوماتية السعودي: 5 حقائق هامة يجب أن تعرفها الآن