يُعد التقادم في القضايا الجنائية من المفاهيم القانونية التي تثير تساؤلات كثيرة لدى المشتغلين في المجال العدلي والمواطنين على حد سواء.
فمن جهة، يتساءل البعض هل مرور الزمن يسقط الدعوى أو العقوبة في الجرائم؟ ومن جهة أخرى، تؤكد الشريعة الإسلامية أن الحقوق لا تضيع بالتقادم، خاصة إذا تعلقت بحقوق الله أو حقوق العباد.
ما هو التقادم في القضايا الجنائية؟
يقصد به مرور فترة زمنية محددة دون اتخاذ أي إجراء قانوني ضد المتهم، مما يؤدي في بعض الأنظمة إلى سقوط الدعوى أو العقوبة. لكن في النظام السعودي، لا يُعترف بالتقادم كسبب لانقضاء الدعوى الجنائية، لأن الأساس الشرعي المستمد من القرآن والسنة يقرر أن الجريمة لا تزول بمرور الزمن، بل تبقى قائمة حتى إقامة الحد أو العفو الشرعي.
موقف النظام السعودي من التقادم في القضايا الجنائية:
النظام السعودي يتميز بعدم الأخذ بهذا المبدأ بالشكل المتعارف عليه في القوانين الوضعية الأخرى. ففي حين تسقط الدعوى بمرور مدة معينة في أنظمة مثل الفرنسي أو المصري، فإن النظام السعودي لا يسمح بسقوط الحق العام أو الخاص بمرور الزمن.
ويُستثنى من ذلك بعض الأنظمة الإدارية أو المالية التي تتعلق بالمخالفات التأديبية أو الغرامات، حيث قد يتم تحديد مدد نظامية لعدم سماع الدعوى. وتؤكد المادة (22) من نظام الإجراءات الجزائية أن تحريك الدعوى أو استمرارها لا يتقيد بمدة زمنية، وهو ما يرسخ مبدأ العدالة الشرعية التي لا تتقادم مع مرور الوقت.
أهمية معرفة التقادم في القضايا الجنائية:
-
معرفة متى يمكن تحريك الدعوى بعد مرور زمن طويل على وقوع الجريمة.
-
معرفة متى لا يمكن الاحتجاج بالتقادم أمام القضاء السعودي.
-
معرفة الحالات التي يمكن فيها إسقاط العقوبة بمرور الزمن في المخالفات التأديبية أو المالية فقط.
ومن المهم إدراك أن عدم وجود تقادم في الجرائم الكبرى يهدف إلى تحقيق الردع العام وضمان عدم إفلات الجناة من العدالة مهما طال الزمن.
أنواع التقادم في القضايا الجنائية:
-
تقادم الدعوى الجنائية:
يقصد به سقوط الحق في تحريك الدعوى لعدم اتخاذ إجراء ضد المتهم خلال مدة معينة. لا يسري هذا النوع في النظام السعودي.
-
تقادم العقوبة:
يعني سقوط الحق في تنفيذ الحكم بعد مرور مدة زمنية من صدوره دون تنفيذه. لا يُقر به النظام السعودي إلا في بعض العقوبات التأديبية أو الإدارية.
-
تقادم المطالبة بالحق الخاص:
يخص المطالبة بالتعويض أو الدية بعد مرور فترة طويلة دون تقديم الدعوى. يخضع هذا النوع لتقدير القاضي استنادًا إلى مبدأ “عدم سماع الدعوى بعد مضي المدة”
الجرائم التي لا يسري عليها التقادم في القضايا الجنائية:
-
الجرائم الكبرى الموجبة للقصاص أو الحدود أو القتل.
-
جرائم الإرهاب وتمويله وفقًا لنظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله الصادر عام 1439هـ.
-
جرائم غسل الأموال التي نص عليها النظام الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/20) لعام 1439هـ.
-
الجرائم المعلوماتية الجسيمة مثل اختراق الأنظمة الأمنية أو إفشاء بيانات الدولة.
الفرق بين التقادم في القضايا الجنائية في السعودية وغيرها:
يختلف التقادم في القضايا الجنائية بين النظام السعودي والقانون المصري من حيث الأساس القانوني والغاية التشريعية:
- في القانون المصري، المستمد من المدرسة الفرنسية، تسقط الدعوى الجنائية بمرور الزمن وفق مدد محددة: سنة واحدة للمخالفات، وثلاث سنوات للجنح، وعشرون سنة للجنايات، وذلك استنادًا إلى المادة (15) من قانون الإجراءات الجنائية. ويُعد التقادم هنا وسيلة لتخفيف العبء عن القضاء وتحقيق الاستقرار القانوني بعد مرور فترة زمنية طويلة دون ملاحقة.
- أما في النظام السعودي، القائم على الشريعة الإسلامية، فلا يُقر مبدأ التقادم في الجرائم، إذ إن الحق العام والخاص لا يسقطان بمرور الزمن. فالجريمة تبقى قائمة حتى يُقام الحد أو القصاص أو التعزير بحسب نوعها، مما يعكس فلسفة العدالة الشرعية التي ترى أن مرور الوقت لا يُبطل حق الله أو حق الإنسان.
وبذلك، يمكن القول إن التقادم في القضايا الجنائية يمثل أحد أبرز الفوارق بين النظامين، حيث يجسد النظام السعودي مبدأ العدالة المستمرة، بينما يوازن النظام المصري بين العدالة والاستقرار القانوني
أثر التقادم في تنفيذ الأحكام الجنائية:
لا يسقط الحكم الجنائي بالتقادم في السعودية، لأن تنفيذ العقوبة واجب ما دام الحكم قائمًا ولم يشمله عفو أو سقوط شرعي. لكن في بعض الأنظمة الخاصة (مثل التأديب الوظيفي أو المخالفات المالية)، قد يتم تحديد مدة بعد مرورها لا يمكن تنفيذ العقوبة أو المطالبة بالغرامة.
الأسئلة الشائعة:
هل تسقط العقوبة بالتقادم في السعودية؟
العقوبة الجنائية لا تسقط بالتقادم في النظام السعودي. فحتى بعد مرور سنوات طويلة على صدور الحكم، يبقى واجب التنفيذ ما لم يشمله عفو ملكي أو سبب شرعي آخر. أما العقوبات التأديبية أو المخالفات المالية فقد تحدد لها مدد نظامية خاصة.
هل يشمل التقادم في القضايا الجنائية الجرائم المعلوماتية؟
الجرائم المعلوماتية، خصوصًا الجسيمة منها كاختراق الأنظمة الأمنية أو إفشاء البيانات الحساسة لا يشملها وذلك لأنها تُعد من الجرائم الخطيرة التي تمس أمن الدولة أو النظام العام، وتخضع لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية.
في الختام التقادم في القضايا الجنائية لا يُعتد به في النظام السعودي، إذ تبقى الجريمة قائمة حتى يتحقق الحق الشرعي. ويعكس ذلك نهج المملكة في ترسيخ العدالة المستمدة من الشريعة الإسلامية، التي لا يحدها زمن ولا تسقط فيها الحقوق بمرور الوقت.
يمكنك الاطلاع علي : التقادم في القضايا التجارية